كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الطوسي‏:‏ القيام هيئة عارضة للإنسان بحسب انتصابه وبحسب كون رأسه من فوق ورجليه من تحت، ولولا هذا الاعتبار لكان الانتكاس قياماً‏.‏

- ‏(‏حم م عن أبي هريرة‏)‏

783 - ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة‏)‏ أي دخل فيها بدليل قوله الآتي في الصلاة ‏(‏فليسكن أطرافه‏)‏ أي يديه ورجليه يعني لا يحركهما ‏(‏ولا يتميل كما تتميل اليهود‏)‏ أي لا يعوج يديه يميناً وشمالاً لا كما يفعلونه في صلاتهم وعند قراءتهم التوراة والميل بفتحتين‏:‏ الاعوجاج ‏(‏فإن تسكين‏)‏ الثابت في أصول الحكيم الصحيحة فإن سكون ‏(‏الأطراف من تمام الصلاة‏)‏ أي من تمام هيئاتها ومكملانها، بل إن كثر التحرك كثلاث متوالية أبطل عند الشافعي‏.‏ وذلك لأن الوقوف في الصلاة وقوف ذل وتخشع، وقد أثنى الله على الخاشع فيها والخشوع البالغ الموجب للثناء خشوع القلب، ومن لازمه خشوع الجوارح، وقد يصلي المصلي بجوارحه وليس بخاشع، فخشوع القلب هو المطلوب‏.‏ وتمايل اليهود غير ناشئ عن خشوع قلوبهم، بل سببه فيما قيل أنه أوحي إلى موسى أن هذه التوراة صارت في حجر بني إسرائيل ولا تكاد تعظمها فحلها بذهب لم تمسه الأيدي، فأنزلت عليه الكيميا فحلاها بها، فكان إذا قرأها تلذذ بها وهاجت اللذة، فيتمايل طرباً على كلام ربه فاستعملها اليهود بعده على خراب القلوب وخلاء الباطن‏.‏ فهذا هو المشار إلى النهي عنه في الحديث‏.‏ وقيل أصله قول موسى يوم الوفادة ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ فأخذوا هذا من قوله وجعلوا يتهادون‏:‏ أي يتمايلون في صلاتهم فأخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأن فعلهم ذلك غير صحيح وإن كان الأصل صحيحاً‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عد حل‏)‏ وكذا ابن عساكر من حديث الهيتم بن خالد عن محمد بن المبارك الصوري عن يحيى عن معاوية بن يحيى عن الحكم بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان ‏(‏عن أبي بكر‏)‏ الصديق قال رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتمايل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف منها، ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره - ومن لطائف إسناده أن فيه ثلاثة صحابيون وصحابية عن أمها عن أبيها، ثم إن الهيتم بن خالد قال في الميزان‏:‏ يروي الأباطيل ومعاوية هو إما الصدفي أو الطرابلسي وكلاهما ضعيف‏.‏

784 - ‏(‏إذا قام الرجل‏)‏ أي الجالس لنحو إفتاء أو قراءة أو إقراء علم شرعي ‏(‏من مجلسه‏)‏ زاد إمام الحرمين في النهاية وصححه وأقره في الروضة في المسجد ‏(‏ثم رجع إليه فهو أحق به‏)‏ أي من غيره إن كان قام منه ليعود إليه لأن له غرضاً في لزوم ذلك المحل ليألفه الناس‏.‏ قال النووي‏:‏ قال أصحابنا هذا فيمن جلس بمحل من نحو مسجد أو غيره لنحو صلاة ثم فارقه ليعود كإرادة وضوء أو شغل يسير فلا يبطل اختصاصه به وله أن يقيم من قعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه، وهل يجب‏؟‏ وجهان أصحهما الوجوب والثاني يستحب وهو مذهب مالك‏.‏ قال - أعني النووي - وإنما ‏[‏ص 414‏]‏ يكون أحق في تلك الصلاة فقط‏.‏ ومن ألف من مسجد محلاً ليفتي أو يقرىء فله أن يقيم من قعد فيه، ومثله من سبق إلى محل من الشارع ومقاعد الأسواق لمعاملة‏.‏ وظاهر الحديث عدم اشتراط إذن الإمام‏.‏

- ‏(‏حم خد م د ه عن أبي هريرة حم عن وهب بن حذيفة‏)‏ الغفاري، ويقال المدني سكن المدينة، ووهم في المطلب فعزاه للبخاري وليس فيه‏.‏

785 - ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يغمض‏)‏ فيها ‏(‏عينيه‏)‏ ندباً‏.‏ بل يديم النظر إلى محل سجوده فإن غمضهما بغير عذر كره تنزيهاً، لأنه فعل اليهود‏.‏ نعم إن اقتضت المصلحة التغميض كتوفر الخشوع وحضور القلب - لم يكره كما عليه أكثر الشافعية‏.‏

- ‏(‏طب عد ابن عباس‏)‏ وفيه مصعب المصيصي‏.‏ قال مخرجه ابن عدي يحدث عن الثقات بالمناكير ثم ساق له هذا الخبر‏.‏

786 - ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة‏)‏ أي دخل فيها ‏(‏فإن الرحمة تواجهه‏)‏ أي تنزل به وتقبل عليه ‏(‏فلا يمسح‏)‏ حال الصلاة ندباً ‏(‏الحصا‏)‏ ونحوه الذي بمحل سجوده، لأن الشغل بذلك لعب لا يليق بمن شملته الرحمة ولأنه ينافي الخشوع والخضوع ويشغل المصلي عن مراقبة الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها، ومن ثم حكى النووي الاتفاق على كراهته لكن نوزع بفعل مالك له‏.‏ نعم له دفع ما يتأذى به بنحو تسوية محل السجود فلا يكره قبل الصلاة وبعدها، وقيل المراد مسح الحصا والتراب الذي يعلق بجبهته، فإن كثف فمنع مباشرة الجبهة للسجود وجبت الإزالة قال العراقي‏:‏ وتقييد المسح بالحصى غالبي لكونه كان فرش مساجدهم، وأيضاً هو مفهوم لقب فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه عن غيره من كل ما يصلي عليه من نحو رمل وتراب وطين، وقدم التعليل زيادة في تأكد النهي وتنبيهاً على عظم ثواب ترك العبث في الصلاة وإعلاماً للمصلي بعظمة ما يواجهه فيها، فكأنه يقول‏:‏ لا ينبغي لعاقل يلقي تلك النعم الخطيرة بهذه الفعلة الحقيرة‏.‏

- ‏(‏حم عد حب عن أبي ذر‏)‏

787 - ‏(‏إذا قام العبد في صلاته ذر‏)‏ بضم المعجمة وتشديد الراء، فهو مبني للمفعول أو ذر الله أو الملك بأمره ويصح بناؤه للفاعل بفتح الذال، والفاعل معروف ‏(‏البر‏)‏ بكسر الموحدة أي ألقي الإحسان ‏(‏على رأسه‏)‏ ونشره عليه ويستمر ذلك ‏(‏حتى يركع، فإذا ركع علته‏)‏ بمثناة فوقية، وما في نسخ عليه بمثناة تحتية تصحيف ‏(‏رحمة الله‏)‏ أي نزلت عليه وغمرته، ويستمر ذلك ‏(‏حتى يسجد، والساجد يسجد على قدمي الله‏)‏ تعالى، استعارة تمثيلية‏.‏ ومن حق إقبال الله عليه برحمته إقباله بقلبه على عظمته لتحصل المقابلة، ومن ثمرات هذه المقابلة انقياد النفس‏.‏ فإن العبد إذا لاحظ ببصر فؤاده جلالة عظمة من يسجد بين يديه خلص إلى النفس هول الجلالة والعظمة فخشعت وذلت وذهلت وخمد تلظى نار شهوتها، وحينئذ ‏(‏فليسأل‏)‏ الله تعالى ما شاء لقربه منه ‏(‏وليرغب‏)‏ فيما أحب مما يسوغ شرعاً ويليق به عرفاً، وإن عظم وجل، فإن الله سبحانه كريم جواد لا يتعاظم عليه شيء ولا ينقص خزائنه العطاء وهو الغنى المطلق ‏(‏فإن قلت‏)‏ الرغبة‏:‏ الضراعة والمسألة كما في القاموس، فما فائدة عطفها عليها‏؟‏ ‏(‏قلت‏)‏ هو من عطف الخاص على العام إذا أقل الرغبة كما بينه الراغب الاتساع في الشيء‏.‏ فإذا قيل رغب فيه وإليه‏:‏ اقتضى الحرص على الشيء فكأنه قال فليطلب وليحرص على ذلك‏.‏

- ‏(‏ص عن أبي عمار مرسلاً‏)‏ واسمه قيس الكوفي مولى الأنصاري ‏[‏ص 415‏]‏ تابعي قال في الكاشف‏:‏ وفي التقريب فيه لين‏.‏

788 - ‏(‏إذا قام صاحب القرآن‏)‏ أي حافظه، وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه ‏(‏يقرأ‏)‏ أي قارئاً، وفي نسخه فقرأ ‏(‏بالليل والنهار‏)‏ أي تعهد تلاوته ليلاً ونهاراً فلم يغفل عنه ‏(‏ذكره‏)‏ أي استمر ذاكراً حافظاً له ‏(‏وإن لم يقم به‏)‏ أي بتلاوته ‏(‏نسيه‏)‏ فإنه شديد التفلت كالإبل المعلقة التي إذا انفلتت لا تكاد تلحق، ونسيانه كبيرة كما يأتي‏.‏ وفيه ندب إدامة تلاوة القرآن‏.‏ فتلاوته أفضل الذكر العام بأن لم يخص بوقت أو محل، أما ما خص بأن ورد الشرع به فيه فهو أفضل‏.‏

- ‏(‏محمد بن نصر‏)‏ الشافعي ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الصلاة عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

789 - ‏(‏إذا قدم أحدكم على أهله من سفر‏)‏ طال أو قصر، لكن الطويل آكد ‏(‏فليهد‏)‏ ندباً ‏(‏لأهله‏)‏ هدية مما يجلب من ذلك القطر الذي سافر إليه‏.‏ والمراد بأهله‏:‏ عياله ومن في نفقته من زوجة وسرية وولد وخادم‏.‏ ويحتمل أن المراد أقاربه‏.‏ ويظهر أن يلحق بهم خواص أصدقائه عملاً بالعرف في ذلك، ثم أبدل من الإهداء قوله ‏(‏فليطرفهم‏)‏ بضم أوله وسكون الفاء‏:‏ أي يتحفهم بشيء جديد لا ينقل لبلدهم للبيع بل للهدية‏.‏ فإن لم يتيسر فليأت له بشيء ‏(‏ولو كان‏)‏ وفي رواية الدارقطني ولو كانت ‏(‏حجارة‏)‏ أي حجارة يستحسن منظرها أو ينتفع بها كحجارة الزناد ولا يقدم عليهم فارغاً لكسر خاطرهم بتطلعهم نحو ما يصحبه‏.‏ فالسنة المحافظة على جبر خواطرهم مهما أمكن والطرافة بالضم ما يستطرف‏:‏ أي يستملح، وأتحف الرجل‏:‏ جاء بطرفة‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ وهذا من طرائف مالي، وهذه طرفة للمستحدث المعجب، وأطرفه بكذا‏:‏ أتحفه‏.‏ ومن المجاز هو كريم الأطراف‏:‏ الآباء والآجداد‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ من حديث عتيق بن يعقوب عن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه ‏(‏عن عائشة‏)‏ وقال - أعني البيهقي - تفرد به عتيق عن يحيى‏.‏ اهـ‏.‏ قال ابن الجوزي‏:‏ حديث لا يصح‏.‏

790 - ‏(‏إذا قدم أحدكم‏)‏ على أهله ‏(‏من سفر فليقدم معه بهدية‏)‏ ندباً مؤكداً ‏(‏ولو‏)‏ كان شيئاً تافهاً جداً كأن ‏(‏يلقي‏)‏ أي يطرح ‏(‏في‏)‏ نحو ‏(‏مخلاته‏)‏ بكسر الميم ‏(‏حجراً‏)‏ من نحو حجارة الزناد ولا يقدم متجرداً فيتأكد ذلك سيما للحاج‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ وإسناده ضعيف، لكن يقوى بما قبله، ولذلك أورده عقبه

791 - ‏(‏إذا قرأ ابن آدم السجدة‏)‏ أي آيتها ‏(‏فسجد‏)‏ للتلاوة ‏(‏اعتزل‏)‏ أي تباعد، وكل من عدل إلى جانب فهو معتزل ومنه سميت الفرقة العدلية معتزلة ‏(‏الشيطان‏)‏ إبليس فأل عهدية ‏(‏يبكي يقول‏)‏ حالان من فاعل اعتزل مترادفان أو متداخلان ‏(‏يا ويله‏)‏ في رواية مسلم‏:‏ يا ويلتي، وفي أخرى يا ويلي، وفي أخرى يا ويلنا‏.‏ وألفه للندبة والتفجع‏:‏ أي يا هلاكي ويا حزني‏.‏ احضر فهذا أوانك‏.‏ جعل الويل منادى لكثرة حزنه وهو لما حصل له من الأمر الفظيع ‏(‏أمر ابن آدم بالسجود‏)‏ وهذا استئناف جواب عن من سأله عن حاله ‏(‏فسجد فله الجنة‏)‏ بطاعته ‏(‏وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار‏)‏ وفي رواية مسلم بدل فعصيت فأبيت‏.‏ وفيه بيان فضيلة السجدة ودليل على كفر إبليس قال الحنفية‏:‏ ‏[‏ص 416‏]‏ ووجوب سجدة التلاوة لأن الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاماً ولم يتعقبه بالإنكار كان دليل صحته‏.‏ وقال الشافعية سنة‏.‏ وتسمية هذا أمراً من كلام إبليس وكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حكاه ولم ينكره لا يجديهم، فقد حكى غيره من كلام الكفار ولم يبطله وهو باطل‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ونداء الويل للتحسر على ما فاته من الكرامة وحصول اللعن والطرد والخيبة في الدارين وللحسد على ما حصل لآدم من القرب والكرامة والفوز‏.‏

- ‏(‏حم م د عن أبي هريرة‏)‏

792 - ‏(‏إذا قرأ القارىء‏)‏ القرآن ‏(‏فأخطأ‏)‏ فيه بالهمزة من الخطأ ضد الصواب بأن أبدل حرفاً بحرف لفقد معلم أو عجز ‏(‏أو لحن‏)‏ فيه بأن حرفه أو غير إعرابه‏.‏ واللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الإيحاء قيل للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب‏.‏ ذكره في الكشاف ‏(‏أو كان أعجمياً‏)‏ لا يمكنه للكنة أن ينطق بالحروف مبينة ‏(‏كتبه الملك كما أنزل‏)‏ أي قومه الملك الموكل بذلك‏.‏ ولا يرفع إلا قرآناً عربياً غير ذي عوج‏.‏ قال في الكشاف الأعجم الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد، ولما كان من يتكلم بغير لسانهم لا يفقهون حديثاً قالوا له أعجم وأعجمي يشبهونه بمن لا يفصح ولا يبين‏.‏ قالوا ولكل ذي صوت من البهائم والطير وغيرها‏.‏ اهـ‏.‏ وفيه أن القارىء يكتب له ثواب قراءته وإن أخطأ ولحن‏.‏ لكن محله إذا لم يتعمد ولم يقصر في التعلم وإلا فلا يؤجر بل يؤزر ‏.‏

أخرج البيهقي في الشعب أن الأصمعي مر برجل يقول في دعائه يا ذو الجلال فقال له ما اسمك ‏؟‏ قال ليث فقال‏:‏

يناجي ربه بالحي ليث * لذاك إذا دعاه لا يجيب

- ‏(‏فر عن ابن عباس‏)‏ وفيه هشيم بن بشير قال الذهبي حافظ حجة مدلس عن أبي بشر مجهول‏.‏

793 - ‏(‏إذا قرأ الإمام‏)‏ في الصلاة ‏(‏فأنصتوا‏)‏ لقراءته أيها المقتدون‏:‏ أي استمعوا لها ندباً حيث بلغكم صوته بالقراءة فلا يسن لمقتد سمع قراءة إمامه سورة بعد الفاتحة بل يكره أما لو لم يسمعه أو سمع صوتاً لا يفسر حروفه فيقرأ سراً‏.‏ وظاهر الحديث أنه لو جهر الإمام في سريته أو عكس‏:‏ اعتبر فعله وهو الأصح عند الشافعية ففيه رد لمن ذهب منهم إلى اعتبار المشروع‏.‏ ثم هذا الحديث مما استدل به على عدم القراءة خلف الإمام وعلى ما قدرناه لا دليل فيه‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ وابن ماجه ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري‏.‏ قال أبو داود وجمع‏:‏ حديثه غير محفوظ وطعن فيه البخاري في جزء القراءة‏.‏ قال البيهقي‏:‏ واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفه مقدم على تصحيح مسلم‏.‏

794 - ‏(‏إذا قرأ الرجل‏)‏ يعني الإنسان ولو أنثى ‏(‏القرآن‏)‏ أي تدبره وتفقهه وعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه وغير ذلك مما هو معلوم ‏(‏واحتشى‏)‏ أي امتلأ جوفه‏:‏ من حشوت الوسادة حشواً، وهذا بناء على أن الرواية بشين معجمة، فإن كانت بمهملة فهو من خسا السويق أو المرق حسواً‏:‏ ملأ فمه، وهما متقاربان ‏(‏من أحاديث رسول الله‏)‏ صلى الله عليه وسلم حفظاً ومعرفة ومعنى ‏(‏وكانت هناك‏)‏ أي في ذلك الإنسان وذكره بكاف البعد إشارة لبعد مناله على البعض ‏(‏غريزة‏)‏ بغين معجمة فراء مهملة فزاي‏:‏ طبيعة عارفة بفقه الحديث وملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام منها ومعرفة الخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمجمل المبين وغير ذلك مما هو مشروط في الفقه ‏(‏كان خليفة من خلفاء الأنبياء‏)‏ لأن العلماء خلفاء الأنبياء وورثتهم، وهذا فيمن عمل بما علم من ذلك‏.‏ كما مر ويأتي‏.‏

- ‏(‏الرافعي‏)‏ إمام الدين القزويني نسبة إلى رافع أو رافعان في تاريخه تاريخ قزوين ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي‏.‏

‏[‏ص 417‏]‏ 795 - ‏(‏إذا قرب‏)‏ بضم أوله ‏(‏إلى أحدكم طعامه‏)‏ أي وضع بين يديه ليأكله وهكذا إن قرب تقديمه ‏(‏وفي رجليه نعل فلينزع نعليه‏)‏ ندباً قبل الأكل ‏(‏فإنه أروح للقدمين‏)‏ أي أكثر راحة لهما ‏(‏وهو‏)‏ أي نزعهما ‏(‏من السنة‏)‏ أي طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه فعليكم به والنزع‏:‏ القلع كما مر‏.‏

- ‏(‏ع عن أنس‏)‏ وفيه معاذ بن سعد الذهبي قال مجهول وداود بن الزبرقان قال أبو داود متروك والبخاري مقارب‏.‏

796 - ‏(‏إذا قصر‏)‏ بالتشديد ‏(‏العبد‏)‏ أي الإنسان المكلف ‏(‏في العمل‏)‏ أي في القيام بما عليه من الواجب ‏(‏ابتلاه الله‏)‏ تعالى ‏(‏بالهم‏)‏ ليكون ما يقاسيه منه جابراً لتقصيره مكفراً لتهاونه، ومن ثم قال في الحكم من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان‏.‏ وروى الحكيم عن علي خلق الإنسان يغلب الريح ويتقيها بيده، ثم خلق النوم يغلب الإنسان ثم خلق الهم يغلب النوم فأشد خلق ربك الهم، فهذا إنسان يغلب الريح، إذا قصر في عمله وكله الله إلى نفسه، والذي يغلب الريح هو من يغلب هواه فلا يعمل إلا لله ويؤثر آخرته على دنياه‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ في كتاب الزهد الكبير ‏(‏عن الحكم مرسلاً‏)‏ وفي الميزان معضل‏.‏ ثم إنه مع إعضاده له فيه بيان بن الحكم لا يعرف‏.‏ ذكره الديلمي وأبو بكر ابن عياش وفيه كلام‏.‏

797 - ‏(‏إذا قضى الله تعالى‏)‏ أي أراد وقدر في الأزل ‏(‏لعبد‏)‏ من عباده ‏(‏أن يموت بأرض‏)‏ وليس هو فيها ‏(‏جعل له إليها حاجة‏)‏ زاد في رواية الحاكم فإذا بلغ أقصى أثره توفاه الله بها، فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني‏.‏ قال القرطبي‏:‏ قال العلماء وهذا تنبيه للعبد على التيقظ للموت والاستعداد له بالطاعة والخروج من المظالم وقضاء الدين والوصية بماله وعليه في الحضر فضلاً عن الخروج إلى سفره، فإنه لا يدري أين كتبت منيته من البقاع‏.‏ وأنشد بعضهم يقول‏:‏

مشينا خطا كتبت علينا * ومن كتبت عليه خطا مشاها * وأرزاق لنا متفرقات

فمن لم تأته مشيا أتاها * ومن كتبت منيته بأرض * فليس يموت في أرض سواها

قال القاضي‏:‏ وأصل القضاء إتمام الشيء قولاً كقوله تعالى ‏{‏وقضى ربك‏}‏ أو فعلاً كقوله ‏{‏فقضاهن سبع سماوات في يومين‏}‏ ويطلق على الإرادة الإلهية بوجوب الشيء من حيث إنه يوجبه‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في القدر ‏(‏ك‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن مطر‏)‏ بفتحتين ‏(‏ابن عكامس‏)‏ بضم المهملة وخفة الكاف وكسر الميم فمهملة السلمي صحابي سكن الكوفة الترمذي عن أبي عزة بفتح العين المهملة وشد الزاي بضبط المؤلف واسمه بشار، وقيل سنان بن عمرو صحابي سكن البصرة قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمطر غيره‏.‏ وظاهر صنيع المصنف أن الحاكم لم يروه إلا من الطريق الأول، ولا كذلك، بل رواه منهما معاً وعبارته عن مطر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا قيض الله لرجل موتاً ببلدة جعل له بها حاجة وقال على شرطهما وعزاه إلى أبي عزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة، ثم قال رواته ثقات، وأبو عزة يسار له صحبة‏.‏ اهـ‏.‏ وبه يعرف أن الحديث يعين اللفظ الذي ذكره المصنف ليس للحاكم‏.‏

‏[‏ص 418‏]‏ 798 - ‏(‏إذا قضى أحدكم‏)‏ أي أتم ‏(‏حجه‏)‏ أو نحوه من سفر طاعة كغزو ‏(‏فليعجل‏)‏ أي فليسرع ندباً ‏(‏الرجوع إلى أهله‏)‏ أي وطنه وإن لم يكن له أهل ‏(‏فإنه أعظم لأجره‏)‏ لما يدخله على أهله وأصحابه من السرور بقدومه لأن الإقامة بالوطن يسهل معها القيام بوظائف العبادات أكثر من غيرها، وإذا كان هذا في الحج الذي هو أحد دعائم الإسلام فطلب ذلك في غيره من الأسفار المندوبة والمباحة أولى‏.‏ ومنه أخذ أبو حنيفة كراهة المجاورة بمكة وخالفه صاحباه كالشافعي‏.‏ وفيه ترجيح الإقامة على السفر غير الواجب‏.‏

- ‏(‏ك هق‏)‏ وكذا قط ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال الذهبي في المهذب سنده قوي‏.‏

799 - ‏(‏إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده‏)‏ يعني أدى الفرض في محل الجماعة، وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه ‏(‏فليجعل لبيته‏)‏ أي محل سكنه ‏(‏نصيباً‏)‏ أي قسماً ‏(‏من صلاته‏)‏ أي فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال ‏(‏فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته‏)‏ أي من أجلها وبسببها ‏(‏خيراً‏)‏ أي كثيراً عظيماً كما يؤذن به التنكير لعمارة البيت بذكر الله وطاعته وحضور الملائكة واستبشارهم وما يحصل لأهله من ثواب وبركة وفيه أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام‏:‏ أي إلا ما سن جماعة وركعتا الإحرام والطواف وسنة الجمعة القبلية فبالمسجد أفضل عند الشافعية‏.‏ قال العراقي‏:‏ وفيه أيضاً أن الصلاة جالبة للرزق كما قال تعالى ‏{‏وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك‏}‏ قال ابن الكمال‏:‏ وفيه أن المكتوبة حقها أن تقضى في المسجد‏.‏

- ‏(‏حم م ه عن جابر‏)‏ والدارقطني في الأفراد عن أنس بن مالك ورواه الترمذي في العلل عن جابر ثم قال الأصح عن جابر عن أبي سعيد‏.‏

800 - ‏(‏إذا قعد أحدكم إلى أخيه‏)‏ في الدين وإن لم يكن من النسب ليسأله عن شيء من المسائل الشرعية ونحوها ‏(‏فليسأله تفقهاً‏)‏ أي سؤال تفهم وتعلم للفقه ‏(‏ولا يسأله تعنتاً‏)‏ أي سؤالاً غير مستفيد بل ممتحن أو ليدخل المشقة عليه في تكليفه الجواب عما لا ضرورة إليه أو لا يتيسر له استحضاره ذلك الوقت فإن هذا بهذا القصد حرام شديد التحريم والتعنت بالتحريك الفساد ودخول المشقة على الإنسان‏.‏

- ‏(‏فر عن علي‏)‏ وفيه المسيب بن شريك‏.‏ قال الذهبي متروك‏.‏

801 - ‏(‏إذا قلت لصاحبك‏)‏ أي جليسك، سمي صاحباً لأنه صاحبه في الخطاب ‏(‏والإمام يخطب‏)‏ جملة حالية مشعرة بأن ابتداء الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام، خلافاً لأبي حنيفة ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ ظرف لقلت ‏(‏أنصت‏)‏ اسكت واستمع ‏(‏فقد لغوت‏)‏ من لغا يلغو لغواً إذا قال باطلاً أي تركت الأدب أو تكلمت بما لا ينبغي أي خبت أو ملت عن الصواب أو عدلت عن اللائق، لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين، فكما لا ينبغي التكلم في المنوب فكذا النائب، هذا في حق من أمر بمعروف فكيف بالمتكلم ابتداء‏؟‏ فخليق بمثله أن يلحق بالحمار الذي يحمل الأسفار‏.‏ فالكلام منهي عنه عند الشافعية تنزيهاً، وتحريماً عند الثلاثة‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ واللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته‏.‏ وفي رواية لغيت‏.‏قال الكرماني‏:‏ وظاهر القرآن يقتضيها، إذ قال ‏{‏والغوا فيه‏}‏ وهو من لغى يلغي ولو ‏[‏ص 419‏]‏ كان يلغو قال الغو بضم الغين - وقد اختلفت الروايات في ألفاظ هذا الخبر‏.‏ ففي رواية قدم الإنصات على الجمعة وفي أخرى عكس، وفي أخرى قدم الإمام‏.‏ وفي أخرى قدم المأموم قال ابن الأثير وكل من هذه له فائدة‏.‏ فمن كانت عنايته بأخذ الأشياء الثلاثة قدمه في الذكر‏.‏ والكل سواء‏.‏ فإنه لابد من ذكر الإنصات والجمعة والإمام، وبذكرها يحصل الغرض‏.‏ وأيها قدم أصاب‏.‏

أخذ الحنفية منه منع تحية المسجد حال الخطبة‏.‏ لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة فمنعها أولى‏.‏ وعارضهم الشافعية بأمر الداخل بالتحية في أخبار أخر‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم ق د ن ه عن أبي هريرة‏)‏ لكن قدم في مسلم يوم الجمعة ولم يذكر أبو داود لصاحبك يوم الجمعة‏.‏

802 - ‏(‏إذا قمت في صلاتك‏)‏ أي شرعت فيها ‏(‏فصل صلاة مودع‏)‏ أي إذا شرعت فيها فأقبل على الله وحده ودع غيره لمناجاة ربك ‏(‏ولا تكلم‏)‏ بحذف إحدى الناءين تخفيفاً ‏(‏بكلام تعتذر‏)‏ بمثناه فوقية أوله بضبط المصنف ‏(‏منه‏)‏ أي لا تتكلم بشيء يوجب أن يطلب من غيرك رفع اللوم عنك بسببه ‏(‏وأجمع‏)‏ بقطع الهمزة وجيم ساكنة وميم مكسورة لأنه من أجمع الذي هو متعلق بالمعاني دون الأعيان‏:‏ لا من جمع‏.‏ فإنه مشترك بينهما‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الاجماع إحكام النية والعزيمة ‏(‏الإياس‏)‏ بكسر الهمزة وخفة المثناة تحت ‏(‏مما في أيدي الناس‏)‏ أي اعزم وصمم على قطع الأمل مما في يد غيرك من جميع الخلق فإنه يريح القلب والبدن‏.‏ وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله‏.‏ قال الراغب‏:‏ وأكثر ما يقال أجمع فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكر نحو ‏{‏أجمعوا أمركم وشركاءكم‏}‏ والإياس‏:‏ القنوط وقطع الأمل‏.‏

من البين أن كلا من الكلام المحوح للعذر والإياس مما في أيدي الناس مأمور به لا بقيد القيام إلى الصلاة‏.‏

- ‏(‏حم ه عن أبي أيوب‏)‏ خالد بن زيد الأنصاري، رمز لصحته‏.‏

803 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة أتى بالموت كالكبش الأملح‏)‏ أي الأبيض الذي يخالطه قليل سواد قال الزمخشري‏:‏ والملحة في اللوان بياض تشقه شعرات سود هي من لون الملح ‏(‏فيوقف بين الجنة والنار فيذبح‏)‏ بينها وفي رواية ابن ماجه فيذبح على الصراط وأبي يعلى والبزاز يذبح كما تذبح الشاة والذابح جبريل أو يحيى بن زكريا أو غيرهما ‏(‏وهم ينظرون‏)‏ أي أهل الموقف وإن لم يتقدم لهم ذكر من قبل ‏{‏حتى توارت بالحجاب‏}‏ ‏(‏فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة‏)‏ لكن لم يقدر موت أحد من شدة الفرح ‏(‏ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار‏)‏ لكن الحزن لا يميت أحداً أي غالباً فلا يموتون‏.‏ قال الغزالي‏:‏ هذا مثل ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت فقد جبلت القلوب على التأثر بالأملة وثبوت المعاني فيها بواسطتها‏.‏ والرسل إنما يكلمون الناس في الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم والنائم إنما يحتمل المثال فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله ولطفاً بعباده وتيسيراً لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل اهـ‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ بل يخلق الله كبشاً يسميه الموت ويلقي في قلوب الفريقين أنه الموت ويجعل ذبحه دليلاً على الخلود في الدارين‏.‏ وحكمة جعله كالكبش ما جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش وقد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح اهـ وتبعه عليه جمع فقالوا الذبح حقيقي والذابح متولي الموت وكلهم يعرفونه لأنه المتولي قبض أرواحهم‏.‏ ورجح بأن ملك الموت لو استمر حياً تنغص عيش أهل الجنة، ونوزع بأن الجنة لا حزن فيها‏.‏ قال القرطبي‏:‏ وفيه أن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية‏.‏ ومن زعم ‏[‏ص 420‏]‏ أنهم يخرجون منها وتبقى خالية وتزول فخارج عما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة‏.‏ اهـ‏.‏ قال ابن حجر وجمع بعض المتأخرين منهم ابن القيم فيه سبعة أقوال‏:‏ أحدها هذا نقل عليه الإجماع‏.‏ والثاني يعذبون إلى أن تنقلب طبيعتهم فتصير نارية فيتلذذون لموافقة طبعهم، وهو قول من ينسب إلى التصوف من الزنادقة‏.‏ الثالث يدخلها قوم ويخرجون ويخلفهم آخرون‏.‏ الرابع يخرجون وتستمر هي بحالها‏.‏ الخامس تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفنى وهو قول الجهمية‏.‏ السادس تفنى حركاتهم البتة‏.‏ وهو قول العلائي‏.‏ السابع يخرج أهلها منها ويزول عذابها‏.‏ جاء عن بعض الصحب أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عمر من قوله وهو منقطع‏.‏ ونصره بعض المتأخرين من جهة النظر وهو مذهب رديء أطنب السبكي في رده، وقد مر ذلك بأبسط من هذا‏.‏

- ‏(‏ت عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

‏(‏1‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة أتى بصحف-أثبت الشارح ثمان أحاديث ابتداء من هذا الحديث ولم توجد هذه الأحاديث بسائر نسخ المتن، وحفظاً لأصل الشارح أثبتنا الأحاديث وميزناها بأرقام من 1 إلى 8 فليتنبه القارىء‏.‏ اهـ-‏)‏ جمع صحيفة، قال الزمخشري‏:‏ وهو قطعة من جلد أو قرطاس يكتب فيه ‏(‏مختتمة‏)‏ أي مطبوع عليها بما يمنع من النظر إلى ما فيها ‏(‏تنصب بين يدي الله‏)‏ تعالى‏:‏ أي تظهر وتقام ويقرأ ما فيها بين يديه ‏(‏فيقول الله للملائكة اقبلوا هذا العمل‏)‏ وهو عبارة عن الاعتداد وإثابة فاعله عليه ‏(‏وألقوا هذا العمل‏)‏ وهو عبارة عن رده وعدم الاعتداد به ‏(‏فتقول الملائكة‏:‏ وعزتك ما رأينا إلا خيراً فيقول‏)‏ نعم ‏(‏ولكن كان‏)‏ عمل ‏(‏لغيري‏)‏ أي عمل العامل قاصداً به رياء أو نحوه ‏(‏ولا أقبل اليوم إلا ما ابتغى وبه وجهي‏)‏ بين أن الرياء يحبط العمل ويخرجه عن كونه قربة مستوجباً للثواب بها لوعد من الله‏.‏ لكن هذا في الرياء المض‏.‏ فإن تبعض أثيب بالحصة عند كثير‏.‏ واعتبر آخرون غلبة الباعث‏.‏ واختار الإمام الغزالي الأخذ بالإطلاق‏:‏ وأنه متى تطرق منه شعبة إلى العمل ارتفع القبول‏.‏ وشرح ذلك يطول ‏(‏سمويه‏)‏ بشد الميم بوزن علويه وهو إسماعيل بن عبد الله ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك

‏(‏2‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نودي‏:‏ أين أبناء الستين‏)‏ من السنين وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه في كتابه العزيز‏{‏أولم نعمركم ما - مفعول مطلق أي تعميراً - يتذكر فيه من تذكر‏}‏ أي أراد أن يتذكر‏؟‏ ومبدأ التذكر تمام العقل، وهو بالبلوغ والستون نهاية زمن التذكر، وما بعده هرم ‏(‏طب هق عن ابن عباس‏)‏

‏(‏3‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة عرف‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏الكافر بعمله‏)‏أي عرفه الملائكة بما عمله من الذنوب في الدنيا وعددتها له ‏(‏فجحد‏)‏ أي أنكرصدورها منه ‏(‏وخاصم‏)‏ الملائكة ‏(‏فيقال‏)‏ له ‏(‏هؤلاء جيرانك‏)‏ في دار الدنيا يشهدون عليك‏)‏ بما عملته ‏(‏فيقول كذبوا، فتقول‏)‏ بمثناة فوقية أوله، يعني الملائكة، أو بمثناة تحتية أي الملك الموكل به ‏(‏أهلك وعشيرتك‏)‏ أي معاشروك الذين أيديهم وأيديك واحدة‏:‏ والعشيرة - كما في الصحاح وغيره - القبيلة، والمعاشر المخالط ‏(‏فيقول كذبوا، فيقول احلفوا فيحلفون‏)‏ أي فيشهد أهله وجيرانه فيكذبهم، فتقول لهم الملائكة أو الملك‏:‏ احلفوا أنه عمل ذلك، فحلفون أنه فعله ‏(‏ثم يصمتهم الله‏)‏ أي يسكتهم، والتصميت - كما في الصحاح وغيره - التسكيت ‏(‏وتشهد عليهم ألسنتهم‏)‏ شهادة حقيقية ‏(‏فيدخلهم النار‏)‏ أي يقضي عليهم بدخول نار جهنم خالدين فيها أبداً ‏(‏ع ك عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

‏(‏4‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد‏)‏ أي ملك أو غيره من خلق الله تعالى بأمره ‏(‏من بطنان العرش‏)‏ أي من باطنه الذي لا تدركه الأبصار‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ بطنان الجنة وسطها‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ تقول العرب هو في بطنان الشباب أي في وسطه‏.‏ وقال الراغب‏:‏ يقال لما تدركه الحواس ظاهراً ولما خفي باطناً، ومنه بطنان القدر وظهرانها ‏(‏يا أهل الجمع‏)‏ أي الخلائق الذين اجتمعوا في الموقف‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ الجمع اسم لجماعة الناس، ويجمع على جموع والموضع مجمع بفتح الميم الثانية وكسرها‏.‏ وفي المصباح‏:‏ الجمع الجماعة تسمية بالمصدر والمجمع موضع الإجماع ‏(‏نكسوا رؤوسكم‏)‏ أي اخفضوها ‏(‏وغضوا أبصاركم‏)‏ كفوها واحبسوها ‏(‏حتى تمر فاطمة‏)‏ الزهراء ‏(‏بنت محمد‏)‏ خاتم الأنبياء حبيب الرحمن ‏(‏على الصراط‏)‏ لتذهب إلى الجنة ‏(‏فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق‏)‏ في السرعة والمضاء‏.‏ ويظهر أن المراد بالسبعين ألفاً التكثير لا خصوص العدد قياساً على نظائره‏.‏ وهذا فضل لها فخيم من ذلك ‏[‏ص 421‏]‏ الموقف العظيم، وفيه إشعار بأنها أفضل النساء مطلقاً ‏(‏أبو بكر‏)‏ الشافعي ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الغيلانيات‏)‏ عن محمد بن يونس عن حسين بن حسن الأشقر عن قيس بن الربيع عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري قال المصنف في مختصر الموضوءات‏:‏ محمد بن يونس هو الكريمي وهو والثلاثة فوقه متروكون‏.‏

‏(‏5‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش‏:‏ أيها الناس‏)‏ بحذف حرف النداء ‏(‏اغضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة إلى الجنة‏)‏ أي تسلك الصراط وتقطعه إلى الجنة قال في الصحاح‏:‏ جاز الموضع سلكه فيه يجوز جوازاً وإجازة خلفه وقطعه، واجتاز سلك‏.‏ ولا ينافي هذا وما قبله قوله تعالى ‏{‏لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه‏}‏ الجواز أن يقال باختلاف الأحوال في ذلك اليوم‏.‏ وأن المراد إظهار شرف بنت خاتم الأنبياء على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف بإسماعهم ذلك وإن كانوا في شغل شاغل عن النظر ‏(‏أبو بكر‏)‏ الشافعي ‏(‏في الغيلانيات‏)‏ عن سمائه بنت حمدان الأنبارية عن أبيها عن عمرو بن زياد النوباني عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

‏(‏6‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش‏:‏ ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب أخيه‏)‏ أي في الدين، وإن لم يكن لأمه أو أبيه‏.‏ والقصد بذلك التنبيه على فضل العفو وعظم منزلة العافين عن الناس، والله يتولى إثابتهم إكراماً لهم‏:‏ وفيه عدم وجوب العفو لأنه تبرع أثنى الله ورسوله عليه والتبرع فضل لا واجب‏.‏ ذكره الغزالي قال وفيه رد على من قال من السلف‏:‏ الأولى عدم العفو‏.‏ وقول سعيد بن المسيب‏:‏ لا أحلل ممن ظلمني وابن سيرين لا أحرمها عليه‏:‏ أي الغيبة فأحللها له إن الله حرمها عليه، وما كنت لأحلل ما حرم الله‏:‏ محمول على العفو قبل الوجوب، فإذا عفا عن الغيبة مثلاً قبل وقوعها فله المطالبة بها يوم القيامة ‏(‏خط عن ابن عباس‏)‏

‏(‏7‏)‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد‏:‏ ألا ليقم خصماء الله‏)‏ جمع خصم، وهو مصدر خصمته أخصمه، نعت به للمبالغة كالعدل والصوم ‏(‏وهم القدرية‏)‏ أي النافون للقدر الزاعمون أن كل عبد خالق فعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله ومشيئته وهم المعتزلة فنسبوا إلى القدر لأن بدعتهم وضلالتهم من قبل ما قالوه في القدر من نفيه لا لإثباته وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر كما أن الجبرية هم الذين قالوا بالجبر، قالوا لأن الشيء إنما ينسب للمثبت لا للنافي، ومنع بأن قوله تعالى‏:‏‏{‏إنا كل شيء خلقناه بقدر‏}‏ وخبر القدرية مجوس هذه الأمة نص في أنهم المراد، وبه ينسد باب التأويل في هذا الحديث، وقد أحسن من قال هذا الحديث غل - بضم الغين وهو القيد وبالكسر‏:‏ الغل في الصدر - في عنقهم‏.‏ فإن المجوس قائلون بمبدأين مستقلين النور والظلمة أو يزدان وهرمن والمعتزلجعل الله والعبد سواء تنفي قدرته عن شأنه عما يقدر عليه عبده وعكسه‏.‏ قال زيد بن أسلم‏:‏ والله ما قالت القدرية كما قال الله ولا كما قالت الملائكة ولا كما قال النبيون ولا كما قال أهل الجنة ولا كما قال أهل النار ولا كما قال أخوهم إبليس، قال الله تعالى ‏{‏وما تشاءون إلا أن يشاء الله‏}‏ وقالت الملائكة ‏{‏سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا‏}‏ وقال شعيب النبي ‏{‏وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله‏}‏ وقال أهل الجنة ‏{‏وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله‏}‏ وقال أهل النار ‏{‏ربنا غلبت علينا شقوتنا‏}‏ وقال أخوهم إبليس ‏{‏بما أغويتني‏}‏ والحق أنه لا جبر ولا تفويص، ولكن أمر بين أمرين، وخير الأمور أوساطها فتقديره تعالى لا يخرج العبد إلى حيز الاضطرار ولا يسلب عنه الاختيار ‏(‏طس عن عمر‏)‏ بن الخطاب، وفيه بقية ابن الوليد وفيه كلام، وحبيب بن عمر الأنصاري، قال الدارقطني متروك وضعفه الذهبي‏.‏

‏(‏8‏)‏ ‏(‏إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع الواهب فيها‏)‏ أي إذا أقبضه إياها‏.‏ ومفهومه له الرجوع فيما وهبه لأجنبي، وهو مذهب الحنفية ومذهب الشافعية أن للأصل لا لغيره الرجوع فيما وهبه لفرعه لا لغيره ‏(‏قط ك هق عن سمرة‏)‏ بن جندب بن هلال الفزاري‏.‏

804 - ‏(‏إذا كان‏)‏ هي هنا تامة وفيما مر فلا تحتاج إلى خبر، والمعنى إذا وجد ‏(‏يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب ‏[‏ص 422‏]‏ المسجد‏)‏ لامه للجنس أو للاستغراق‏.‏ فالمراد جميع المساجد، وخصها لأن الغالب إقامة الجمعة في مسجد ‏(‏ملائكة‏)‏ بالتنكير للتكثير لمناسبة المصلين أي جمع كثير من الملائكة، وهم هنا غير الحفظة كما يفيده قوله الآتي طووا الصحف فوظيفة هؤلاء كتابة من يحضر الجمعة أولاً فأولاً واستماع الذكر ‏(‏يكتبون الناس‏)‏ أي أجور المجتمعين ‏(‏على قدر منازلهم‏)‏ أي مراتبهم في المجيء‏.‏ ولهذا قال ‏(‏الأول‏)‏ أي ثواب من يأتي في الوقت الأول ‏(‏فالأول‏)‏ أي يكتبون ثواب من يجيء بعده في الوقت الثاني سماه أولاً لأنه سابق على من يجيء في الوقت الثالث فالأول هنا بمعنى الأسبق وقال في شرح المصابيح‏:‏ الأول فالأول نصب على الحال وجاءت معرفة وهو قليل، وقال الزركشي‏:‏ الأول فالأول نصب على الحال‏:‏ أي مرتبين وجاز مجيئهما معرفة على الشذوذ، فإذا جلس الإمام أي صعد المنبر وجلس عليه للخطبة ‏(‏طووا‏)‏ أي الملائكة ‏(‏الصحف‏)‏ صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة لا غيرها من أعمالها، فإنه إنما يكتبها الحافظان، وهي جمع صحيفة الورقة التي يكتب فيها وفي استماع الملائكة الخطبة حث على استماعها لنا وهو سنة وإن كان سماعها واجباً ‏(‏وجاؤوا يستمعون الذكر‏)‏ أي الخطبة، فلا يكتبون ثواب من يجيء في ذلك الوقت ‏(‏ومثل المهجر‏)‏ أي وصلاة الآتي في أول ساعة، وهو اسم فاعل من هجر يهجر‏:‏ إذا بكر وأتى الأمر من أوله، أو من هجر منزله إذا تركه أي وقت كان وكيفما كان ليس من الهاجرة التي هي شدة الحر كما زعمه المالكية ‏(‏كمثل‏)‏ بزيادة الكاف أو مثل ‏(‏الذي يهدي‏)‏ بضم أوله‏:‏ أي يقرب ‏(‏بدنه‏)‏ أي يتصدق ببعير ذكراً أو أنثى متقرباً إلى الله‏:‏ فالهاء للوحدة لا للتأنيث، قال في الكشاف‏:‏ سميت به لعظم بدنها، وهي للإبل خاصة، وقال غيره للتبدن وللبدانة‏:‏ السمن وفي رواية ابن جريج عن عبد الرزاق فله من الأجر مثل الحزور وظاهره أن الثواب لو تجسد كان قدره ‏(‏ثم كالذي يهدي بقرة‏)‏ ذكراً أو أنثى، فالهاء للوحدة، سميت به لأنها تبقر الأرض‏:‏ أي تشقها، وهذا خبر مبتدأ محذوف تقديره ثم الثاني، أي الآتي في الساعة الثانية كالذي يهدي بقرة، وليس معطوفاً على الخبر الأول لئلا يقعا معاً مع عدم اجتماعهما خبراً عن واحد، وهو ممتنع، وكذا يقدر في الثلاثة الآتية، وانحطاط رتبة البقرة هنا عن البدنة موافق لما في الأضحية من حيث الأفضلية المناسبة لما هنا ومخالف له من حيث إجزاء كل منهما عن سبعة، ثم وفرق بأن المععتبر هنا كبر الجسم في البدنة مع كونها أحب أموال العرب وأنفسها عندهم وثم كثرة اللحم وأطيبته وهو في البدنة أكثر وفي البقرة أطيب فيعتدلان فسوى بينهما ‏(‏ثم كالذي يهدي الكبش‏)‏ فحل الضأن في أي سن كان أو إذا أربع أو إذا أثنى ووصفه في رواية بكونه أقرن لكماله وحسن صورته ولأن قرنه ينتفع به وفي صحيح ابن خزيمة شاة بدل كبش وهي محمولة عليه ‏(‏ثم كالذي يهدي الدجاجة‏)‏ بتثليث الدال والفتح أفصح وفي صحيح ابن خزيمة طائر بدل دجاجة وهي محمول عليها واستشكل التعبير بالهدي في دجاجة وبيضة بأنه لا يكون منهما وأوجيب بأنه من باب المشاكلة أي من تسمية الشيء باسم قرينه والمراد بالهدي هنا التصدق ‏(‏ثم كالذي يهدي البيضة‏)‏ بيضة دجاجة كما هو المتبادر وفي النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفوراً ثم بيضة وإسنادهما صحيح وبذلك يتضح استيعاب الست ساعات التي هي نصف النهار وليس المراد بها الفلكية كما في الروضة تبعاً للنص لئلا يستوي الإتيان في طرفي ساعة بل أوقات تترتب فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة لكن في المجموع وشرح مسلم المراد الفلكية لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير وبدنة المتوسط متوسطة وفي إعتناء الملائكة بكتابه السابق دلالة على ندب التبكير إليها وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وذهب مالك وبعض الشافعية كإمام الحرمين إلى أفضلية ‏[‏ص 423‏]‏ تأخير الذهاب إلى الزوال وأشعر قوله فإذا خرج الإمام طويت الصحف أنه مستثنى من ندب التبكير لدلالته على أنه لا يخرج إلا بعد انقضاء وقت التبكير فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعاً للمصطفى وخلفائه‏.‏

- ‏(‏ق ن ه عن أبي هريرة‏)‏

805 - ‏(‏إذا كان جنح الليل‏)‏ بضم الجيم وكسرها أي أقبل ظلامه قال الطيبي جنح الليل طائفة منه وأراد به هنا الطائفة الأولى منه عند امتداد فحمة العشاء ‏(‏فكفوا صبيانكم‏)‏ ضموهم وامنعوهم من الخروج ندباً فيه وفيما يأتي وقال الظاهرية وجوباً ‏(‏فإن الشيطان‏)‏ يعني الجن وفي رواية للشيطان ولامه للجنس ‏(‏تنتشر حينئذ‏)‏ أي حين فحمة العشاء لأن حركتهم ليلاً أمكن منها نهاراً إذ الظلام أجمع لقوى الشيطان وعند ابتداء انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فخيف على الأطفال من إيذائهم ‏(‏فإذا ذهب ساعة من الليل‏)‏ وفي رواية من العشاء ‏(‏فحلوهم‏)‏ بحاء مهملة مضمومة في صحيح البخاري وفي رواية له أيضاً بخاء معجمة مفتوحة وحكي ضمها أي فلا تمنعوهم من الخروج والدخول ‏(‏وأغلقوا‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏الأبواب‏)‏ أي ردوها وفي رواية البخاري لها وأغلق بابك بالإفراد خطاب لمفرد والمراد به كل واحد فهو عام من حيث المعنى ‏(‏واذكروا اسم الله‏)‏ عليها ‏(‏فإن الشيطان‏)‏ أي الجنس ‏(‏لا يفتح باباً مغلقاً‏)‏ أي وقد ذكر اسم الله عليه ولا يناقضه ما ورد أنه يخطر بين المرء وقلبه وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فإن هذه أطوار وأحوال ولله أن يشكلها في أي صورة شاء وليس لها التصرف بذاتها وقد يجعل الله هذه الأسباب قيوداً لها وتصديق من لا ينطق عن الهوى فيما جاء به واجب ‏(‏وأوكثوا قربكم‏)‏ سدوا أفواهها بنحو خيط ‏(‏واذكروا اسم الله‏)‏ على ذلك فإنه السور العظيم والحجاب المنيع الدافع للشيطان والوباء والحشرات والهوام والأولى أن يقال ما ورد بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ‏(‏وخمروا‏)‏ غطوا ‏(‏آنينكم‏)‏ جمع قلة وجمع الكثرة أواني ‏(‏واذكروا اسم الله‏)‏ عليها فإن السور العريض والحجاب المنيع بين الشيطان والإنسان ولو شاء ربك لكان الغطاء كافياً أو ذكر اسم الله كافياً لكنه قرن بينهما ليعلم كيفية فعل الأسباب في دارها وليبين أنها إنما تفعل بذكر الله عليها لا بذاتها ‏(‏ولو أن تعرضوا‏)‏ بفتح أوله وضم الراء وكسرها والأول كما قاله العيني أصح والمذكور بعد لو فاعل فعل مقدر أي ولو ثبت أن تعرضوا أي تضعوا ‏(‏عليه‏)‏ الإناء ‏(‏شيئاً‏)‏ أي على رأسه قال الطيبي‏:‏ جواب لو محذوف أي لو خمرتموها عرضاً بشيء كعود وذكرتم اسم الله عليه كان كافياً والمقصود أن يجعل نحو عود على عرضه فإن كان مستدير الفم فهو كله عرض وإن كان مربعاً فقد يكون له عرض وطول فيجعله عليه عرضاً لا طولاً والمراد وإن لم يغطه فلا أقل من ذلك أو إن فقدتم ما يغطيه فافعلوا المقدور ولو أن تجعل عليه عوداً بالعرض وقيل المعنى اجعلوا بين الشيطان وبين آنيتكم حاجزاً ولو من علامة تدل على القصد إليه وإن لم يستول الستر عليه فإنها كافية مع ذكره عاصمة بفضاء الله وأمره وقد عمل بعضهم بالسنة فأصبح والأفعى ملتفة على العود ‏(‏وأطفئوا مصابيحكم‏)‏ اذهبوا نورها ولا يكون مصباحاً إلا بالنور وبدونه فتيلة والمراد إذا لم تضطروا إليه لنحو برد أو مرض أو تربية طفل أو نحو ذلك والأمر في الكل للإرشاد وجاء في حديث تعليل الأمر بالطفي بأن الفويسقة تجر الفتيلة فتحرق البيت وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أشفق على أمته من الوالدة بولدها ولم يدع شفقته دينية ولا دنيوية إلا أرشد إليها قال النووي رحمه الله وفيه جمل من أنواع الخير وآداب جامعة جماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتصل السلامة من آفات الدارين‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ تضمن هذا الحديث أن الله أطلع نبيه على ما يكون في هذه الأوقات ‏[‏ص 424‏]‏ من المضار من جهة الشياطين والفأر والوباء وقد أرشد إلى ما يتقي به ذلك فليبادر إلى فعل تلك الأمور ذاكراً لله ممتثلاً أمر نبيه صلى الله عليه وسلم شاكراً لنصحه فمن فعل لم يصبه من ذلك ضرر بحول الله وقوته‏.‏ وفيه رد علي من كره غلق الباب من الصوفية وقال الصوفية يفتحون ولا يغلقون‏.‏

- ‏(‏حم ق دن عن جابر‏)‏

806 - ‏(‏إذا كان يوم صوم أحدكم‏)‏ فرضاً أو نفلاً ‏(‏فلا يرفث‏)‏ مثلث الفاء أي لا يتكلم بفحش قال أبو زرعة ويطلق في غير هذا المحل على الجماع ومقدماته وعلى ذكره مع النساء ومطلقاً ‏(‏ولا يجهل‏)‏ أي لا يفعل خلاف الصواب من قول أو فعل فهو أعم مما قبله أو لا يعمل بخلاف ما يقتضيه العلم أو لا يقل قول أهل الجهل والمراد أن ذلك في الصوم آكد وإن كان منهياً عنه في غيره أيضاً ‏(‏فإن امرؤ شاتمه‏)‏ أي شتمه امرؤ متعرضاً لمشاتمته ‏(‏أو قاتله‏)‏ أي دافعه ونازعه أو لاعنه متعرضاً لمثل ذلك منه فالمفاعلة حاصلة في الجملة ‏(‏فليقل‏)‏ بلسانه ‏(‏إني صائم‏)‏ أي عن مكافأتك أو عن فعل مالا يرضاه من أصوم له بحيث يسمعه الصائم وجمعه بين اللسان والجنان أولى فيذكر نفسه بإحضاره صيامه بقلبه ليكف نفسه وينطق بلسانه لينكف عنه خصمه، قال ابن القيم‏:‏ أرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن على الصائم أن يحتمي من إفسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق د ه عن أبي هريرة‏)‏ الدوسي رضي الله عنه‏.‏

807 - ‏(‏إذا كان آخر‏)‏ في رواية آخر ‏(‏الزمان‏)‏ عند نجوم الكذابين وظهور المبتدعين وانتشار الدجالين ‏(‏واختلفت الأهواء‏)‏ جمع هوى مقصور هوى النفس أي هوى أهل البدع ‏(‏فعليكم بدين أهل البادية والنساء‏)‏ أي الزموا اعتقادهم واجروا على مناهجهم من تلقي أصل الأيمان وظاهر الاعتقاد بطريق التقليد والإشتغال بأعمال الخير فإن الخطر في العدول عن ذلك كبير ذكره الغزالي ومن لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أهلها بعضهم لبعض كان أمره أهون ممن سمع منها وهو حائم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل ولهذا كان الإمام الرازي فيما نقله ابن حجر مع تبحره في الأصول يقول‏:‏ من التزم دين العجائز فهو الفائز‏.‏ وقال السمعاني في الذيل عن الهمداني قال سمعت أبا المعالي يعني إمام الحرمين يقول قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب الحق وهرباً من التقليد والآن قد رجعت من العمل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على الحق وكلمة الإخلاص لا إله الا الله فالويل لابن الجويني‏.‏

- ‏(‏حب في‏)‏ كتاب ‏(‏الضعفاء‏)‏ في ترجمة محمد بن عبد الرحمن السلماني من حديثه ‏(‏فر‏)‏ من هذا الوجه ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ رضي الله عنهما قال ابن طاهر في التذكرة وابن السلماني له عن أبيه عن ابن عمر شيخه متهم بوضعها ولا يجوز الاحتجاج بها ولا ذكرها إلا للتعجب انتهى وقال الصغاني موضوع وقال المؤلف في الدرر سنده واه‏.‏

808 - ‏(‏إذا كان الجهاد على باب أحدكم‏)‏ أي قريباً جداً ولو أنه على باب أحدكم مبالغة ‏(‏فلا يخرج اليه إلا بإذن أبويه‏)‏ أي أصليه الحيين أو بإذن الحي منهما وإن علا مع وجود أقرب أو كان قناً فيحرم عليه الخروج له بغير إذنه حيث كان مسلماً وهذا حيث لم ينته الأمر إلى مصير الجهاد فرض عين وإلا فلا يتوقف على إذن أحد‏.‏

- ‏(‏عد عن ابن عمر‏)‏ في ترجمة أبي عبيد المصري من حديثه وقال رأيت شيوخ مصر مجتمعين على ضعفه والغرباء يمتنعون من الأخذ عنه وقد أنكروا عليه أحاديث هذا منها انتهى لكنه ورد بإسناد صحيح رواه الطبراني في الصغير بلفظ إذا كان الغزو على باب البيت ‏[‏ص 425‏]‏ فلا تذهب إلا باذن أبويك‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أسامة بن زيد وهو ثقة ثبت كما هو في تاريخ مصر انتهى فاقتصار المصنف على هذه الرواية الضعيفة وعدوله عن الصحيحة غير صواب‏.‏

809 - ‏(‏إذا كان لأحدكم شعر‏)‏ بفتح العين أفصح ‏(‏فليكرمه‏)‏ ندباً بأن يصونه من نحو وسخ وقذر ويتعهده بالتنظيف فيفرق شعر الرأس ويمشطه بماء أو دهن أو غيره مما يلينه ويرسل سائره ويمد منقبضه إن أراد عدم إزالته ويسرح اللحية لكن إنما يسن غباً كما يأتي تركها شعثة إظهاراً للزهد أو لقلة المبالاة بنفسه وتصفيفها طاقة فوق طاقة ولا بأس بحلق الرأس كما مر سيما إن شق تعهده‏.‏

- ‏(‏د عن أبي هريرة‏)‏ رمز لصحته ولا يوافق عليه ففيه سهيل بن أبي صالح قال في الكاشف عن ابن معين ليس بحجة وعن أبي حاتم لا يحتج به ووثقه ناس ‏(‏هب عن عائشة‏)‏ وفيه ابن إسحاق وعمارة بن غزية وفيهما خلف‏.‏

810 - ‏(‏إذا كان أحدكم في الشمس‏)‏ في رواية في الفيء ‏(‏فقلص‏)‏ بفتحات أي ارتفع وزال ‏(‏عنه الظل وصار‏)‏ أي بقي ‏(‏بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليقم‏)‏ أي فليتحول إلى الظل ندباً وإرشاداً لأن الجلوس بين الظل والشمس مضر بالبدن إذ الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين كما هو مبين في نظائره من كتب الطب ذكره القاضي وقضيته أنه لو كان في الشمس فقلصت عنه فصار بعضه فيها وبعضه في الظل كان الحكم كذلك ثم لما خفي هذا المعنى على التوربشتي قال الحق الأبلج التسليم للشارع فإنه يعلم مالا يعلمه غيره فإن قلت هذا ينافيه خبر البيهقي عن أبي هريرة رأيت رسول الله قاعداً في فناء الكعبة بعضه في الظل وبعضه في الشمس قلت محل النهي المداومة عليه واتخاذه عادة بحيث يؤثر في البدن تأثيراً يتولد منه المحذور المذكور أما وقوع ذلك مرة على سبيل الاتفاق فغير ضار على أنه ليس فيه أنه رآه كذلك ولم يتحول وبهذا التقرير انكشف أنه لا اتجاه لما أبداه الذهبي كمتبوعه في معنى الحديث أنه من قبيل استعمال العدل في البدن كالمنهي عن المثنى في نعل واحدة‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال المنذري وتابعيه مجهول وكذا ذكره المناوي فرمز المؤلف لحسنه فيه ما فيه‏.‏

811 - ‏(‏إذا كان للرجل على رجل حق‏)‏ أي دين ‏(‏فأخره إلى أجله كان له صدقة‏)‏ أي حسنة واحدة ‏(‏فإن أخره بعد أجله كان بكل يوم صدقة‏)‏ يعني إذا كان لإنسان على آخر دين وهو معسر فأنظره به مرة كان له أجر صدقة واحدة وإن أخر مطالبته بعد نوع يسار توقيعاً ليساره الكامل فله بكل يوم صدقة هذا هو الملائم للتواعد وأما ما يوهمه ظاهر الحديث من أن الإنسان إذا كان له على غيره دين مؤجل أصالة أثيب على الصبر عليه إلى حلول أجله فلعله غير مراد وحمل الأول على أن من عليه الحق رضي بمطالبته قبل محله فأخره هو لا اتجاه له قال القاضي والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها ويقال لعمر الإنسان وللموت الذي ينتهي به‏.‏

- ‏(‏طب عن عمران بن حصين‏)‏ الخزاعي كانت الملائكة تسلم عليه وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ضعفه الدارقطني وكذبه ابن أحمد ووثقه حرزة وفيه ابن عياش ونقل عن المصنف أنه رمز لضعفه‏.‏

812 - ‏(‏إذا كان في آخر الزمان لابد للناس فيها‏)‏ يعني في تلك المدة أو تلك الأزمان ‏(‏من الدراهم والدنانير‏)‏ أي لا محيد ‏[‏ص 426‏]‏ لهم عنها يقال لابد من كذا أي لا محيد عنه ولا يعرف استعماله إلا مقروناً بالنفي ووجه ذلك بقوله ‏(‏يقيم الرجل بها‏)‏ أي بالدراهم والدنانير ‏(‏دينه ودنياه‏)‏ أي يكون بالمال قوامها فمن أحب المال لحب الدين فقد صدق الله في إيمانه والمال في الأصل قوام العباد في أمر دينهم فالحج ونحوه من الفروض لا يقوم إلا به وعيش الحياة في الأبدان كذلك وبه يتقي الأذى ويدفع الشدائد قال الماوردي وكان يقال الدراهم مراهم لأنها تداوي كل جرح ويطيب بها كل صلح وأخرج الحليمي عن كعب أول من ضرب الدراهم والدنانير آدم وقال لا تصلح المعيشة إلا بهما وهما إحدى المسخرات التي قال الله تعالى ‏{‏وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ‏}‏ وجعل آخر الزمان بالاضطرار إليها لا لإخراج عدم الاحتياج في الصدر الأول بل لأن غلبة الخير واصطناع المعروف وإعانة الملهوف فيه أكثر حتى أن من تركها وتخلى للعبادة يجد من يمونه ويقوم بكفايته وأما في آخر الزمان فتقل الخيور وتكثر الشرور وتشح النفوس فيضطر إليها وقدم ذكر الدراهم لأنها أعم تداولاً وإشارة إلى أنه إذا اندفعت الحاجة بها ينبغي الاقتصار عليها ‏.‏